كلكم لآدم وآدم من تراب
صفحة 1 من اصل 1
كلكم لآدم وآدم من تراب
روى الإمام البيهقي، من حديث جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، خطب في خُطبة الوداع، في أوسط أيام التشرق، فقال: "يا أيها الناس: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى" [1]
وفي حديث آخر: رواه أبو داود والترمذي وحسنه والبيهقي: "الناس بنو آدم وآدم من تراب" [2] (صدق رسول الله).
الإسلام سبق كل الحضارات والثورات:
أيها الإخوة: قبل أن تسمع الدنيا عن الثورة الفرنسية وغيرها من الثورات، وقبل أن يعرف الغرب مبدأ المساواة ببضعة عشر قرنا، جاء الإسلام وقرَّر هذه المساواة الإنسانية العامة، مُناديا الناس جميعا بهذا النداء الرباني: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13].
لا فرق إذن بين عُنصر وعُنصر، ولا بين قوم وقوم، ولا بين لون ولون، إنه يحترم الإنسان من أي وطن كان، وأي بلد كان، ومن أي طبقة كانت، دون تفرقة بين فئة وأخرى من الناس، فكل الناس سواسية، وكل المؤمنين أخوة، ولا اعتبار للغني أو الفقير في تقديم الناس أو تأخيرهم، بل الواجب إنزالهم منازلهم، وإعطاء كل ذي حق حقه، دون نظر إلى تلك الاعتبارات، بل الإنسان في أي دين كان، فإن اختلاف الأديان لا يُسقط عن المُختلفين إنسانيتهم، ولا يخلعهم منها، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قام لجنازة يوما، فقيل له: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي. فقال: "أليست نفسا؟!" [3]
بلى، ولكل نفس إنسانية في الإسلام حُرْمة ومكان، قد يختلف الناس في أجناسهم وعناصرهم، فيكون منهم الآري والسامي والحامي، والعربي والعجمي، وقد يختلفون في أحسابهم وأنسابهم، فيكون منهم مَن ينتمي إلى أسرة عريقة في المجد، ومَن ينتمي إلى أسرة صغيرة مغمورة في الناس، وقد يتفاوت الناس في ثرواتهم، فيكون منهم الغني ومنهم الفقير ومنهم المتوسط، وقد يتفاوتون في أعمالهم ومناصبهم، فيكون منهم الحاكم والمحكوم، ويكون منهم المهندس الكبير والعامل الصغير، ويكون منهم أستاذ الجامعة والحارس ببابها، ولكن هذا الاختلاف أو التفاوت لا يجعل لواحد منهم قيمة إنسانية أكبر من قيمة الآخر، بسبب جنسه أو لونه أو حسبه أو ثروته أو عمله أو طبقته أو منصبه، أو أي اعتبار آخر.
إن القيمة الإنسانية واحدة للجميع، ما دام الكل إنسانا فهم إذن سواسية كأسنان المُشط الواحد.
مبادئ الإسلام تطبق في أرض الواقع:
لم يكتف الإسلام بتطبيق مبدأ المساواة نظريا، وتثبيته فكريا، بل أكَّده عمليا بجملة أحكام وتعاليم، نقلته من مجرد فكرة إلى واقع ملموس.
الناس سواسية في العبادات والشعائر:
من ذلك العبادات الشعائرية التي فرضها الإسلام، وجعلها الأركان العملية لهذا الدين ... ففي مساجد الإسلام، حيث تقام صلاة الجمعة والجماعة، تأخذ المساواة صورتها العملية، وتزول كل الفوارق التي تُميز بين الناس، فمَن ذهب إلى المسجد أولا أخذ مكانه في مُقدمة الصفوف، وإن كان أقل الناس مالاً وأضعفهم جاها، ولو نظرت إلى صف واحد من صفوف المسلمين، لراعك أن تجد فيه الغني بجانب الفقير، والعالم بجانب الأمي، والشريف بجانب الوضيع، والحاكم بجوار الخادم، لا فرق بين واحد وآخر، فكلهم سواء أمام الله، في قيامهم وقعودهم، وركعوهم وسجودهم، قبلتهم واحدة، وكتابهم واحد، وربهم واحد، خلف إمام واحد.
وفي الأرض المقدسة حيث تُؤدَّى مناسك الحج والعمرة، تتحقَّق المساواة بصورة أكثر ظُهورا، وتتجسَّد تجسُّدا تراه العين وتلمسه اليد، فقد يظلُّ الناس في صف الصلاة يتمايزون بعض التمايز، بما يلبسون من أنواع الثياب التي تختلف باختلاف البلدان والطبقات والمقدرة ... أما في الحج والعُمرة، فإن شعيرة الإحرام تفرض على الحجاج والمُعتمرين أن يتجردوا من ملابسهم العادية، ويلبسون ثيابا بيضاء ساذجة، لم يدخلها التكلُّف والتصنُّع، أشبه ما تكون بأكفان الموتى، يستوي فيها القادر والعاجز، والملك والسوقة، ثم ينطلق الجميع مُلبين بهتاف واحد: "لبيك اللهم لبيك"[4]
الناس سواسية أمام الحلال والحرام:
ومن المساواة العملية التي قرَّرها الإسلام قولا، وطبقها فعلا، المساواة أمام قانون الشرع وأحكام الإسلام، فالحلال حلال للجميع، والحرام حرام على الجميع، والفرائض مُلزمة للجميع، والعقوبات مفروضة على الجميع، حاولت إحدى القبائل عند الدخول في الإسلام، أن تُعفى من الصلاة حينا من الزمن، فأبى عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "لا خير في دين لا صلاة في[5]. وحاول الصحابة أن يشفِّعوا أسامة بن زيد، حِبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن حِبِّه، في امرأة من قريش ومن بني مخزوم سرقت، فاستحقَّت أن يُقام عليها حدَّ السرقة -قطع اليد- فكلَّمه فيها أسامة، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، غضبته التاريخية المعروفة، ووقف يخطب في الناس، وقال كلمته التي خلَّدها التاريخ: "إنما هلك الذين قبلكم: أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله، لو سرقت فاطمة بنت محمد، لقطعتُ يدها"[6].
سبب هلاك الأمم السابقة:
هذا هو سبيل الهلاك في الأُمم، أنهم يُعفون الشريف من العقوبة، إذا سرق تُرك ولم يُقم عليه الحد، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، هذا هو سبب البلاء، وهذا هو المدخل إلى الانهيار ... انهيار المجتمع كله.
هذا هو الذي يؤلِّب القوي، ويؤرث النفوس، يؤرث الأحقاد في النفوس، "وايم الله: لو سرقت فاطمة بنت محمد، لقطعتُ يدها".
فاطمة ... صغرى بنات النبي صلى الله عليه وسلم، وأعزُّهنَّ عليه وأحبُّهنَّ إليه، يضرب بها المثل: "لو سرقت لقطع محمد يدها". هذا هو العدل، هذا هو عدل الله الذي لا يفرِّق بين إنسان وإنسان، ولا بين أسرة وأسرة، ولا بين مخلوق ومخلوق، ما داموا كلهم عبادًا لله، فليُقَم عليه شرع الله، وليقم عليه حدُّ الله ... وهذا هو بدء الخير والعدل بين الناس، وترك هذا هو بدء الشر والانهيار ... بداية الهلاك.
نسأل الله عز وجل أن يفقهنا في ديننا، وأن يقفنا عند حدوده، عند أوامره ونواهيه، إنه سميع قريب.
وفي حديث آخر: رواه أبو داود والترمذي وحسنه والبيهقي: "الناس بنو آدم وآدم من تراب" [2] (صدق رسول الله).
الإسلام سبق كل الحضارات والثورات:
أيها الإخوة: قبل أن تسمع الدنيا عن الثورة الفرنسية وغيرها من الثورات، وقبل أن يعرف الغرب مبدأ المساواة ببضعة عشر قرنا، جاء الإسلام وقرَّر هذه المساواة الإنسانية العامة، مُناديا الناس جميعا بهذا النداء الرباني: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13].
لا فرق إذن بين عُنصر وعُنصر، ولا بين قوم وقوم، ولا بين لون ولون، إنه يحترم الإنسان من أي وطن كان، وأي بلد كان، ومن أي طبقة كانت، دون تفرقة بين فئة وأخرى من الناس، فكل الناس سواسية، وكل المؤمنين أخوة، ولا اعتبار للغني أو الفقير في تقديم الناس أو تأخيرهم، بل الواجب إنزالهم منازلهم، وإعطاء كل ذي حق حقه، دون نظر إلى تلك الاعتبارات، بل الإنسان في أي دين كان، فإن اختلاف الأديان لا يُسقط عن المُختلفين إنسانيتهم، ولا يخلعهم منها، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قام لجنازة يوما، فقيل له: يا رسول الله، إنها جنازة يهودي. فقال: "أليست نفسا؟!" [3]
بلى، ولكل نفس إنسانية في الإسلام حُرْمة ومكان، قد يختلف الناس في أجناسهم وعناصرهم، فيكون منهم الآري والسامي والحامي، والعربي والعجمي، وقد يختلفون في أحسابهم وأنسابهم، فيكون منهم مَن ينتمي إلى أسرة عريقة في المجد، ومَن ينتمي إلى أسرة صغيرة مغمورة في الناس، وقد يتفاوت الناس في ثرواتهم، فيكون منهم الغني ومنهم الفقير ومنهم المتوسط، وقد يتفاوتون في أعمالهم ومناصبهم، فيكون منهم الحاكم والمحكوم، ويكون منهم المهندس الكبير والعامل الصغير، ويكون منهم أستاذ الجامعة والحارس ببابها، ولكن هذا الاختلاف أو التفاوت لا يجعل لواحد منهم قيمة إنسانية أكبر من قيمة الآخر، بسبب جنسه أو لونه أو حسبه أو ثروته أو عمله أو طبقته أو منصبه، أو أي اعتبار آخر.
إن القيمة الإنسانية واحدة للجميع، ما دام الكل إنسانا فهم إذن سواسية كأسنان المُشط الواحد.
مبادئ الإسلام تطبق في أرض الواقع:
لم يكتف الإسلام بتطبيق مبدأ المساواة نظريا، وتثبيته فكريا، بل أكَّده عمليا بجملة أحكام وتعاليم، نقلته من مجرد فكرة إلى واقع ملموس.
الناس سواسية في العبادات والشعائر:
من ذلك العبادات الشعائرية التي فرضها الإسلام، وجعلها الأركان العملية لهذا الدين ... ففي مساجد الإسلام، حيث تقام صلاة الجمعة والجماعة، تأخذ المساواة صورتها العملية، وتزول كل الفوارق التي تُميز بين الناس، فمَن ذهب إلى المسجد أولا أخذ مكانه في مُقدمة الصفوف، وإن كان أقل الناس مالاً وأضعفهم جاها، ولو نظرت إلى صف واحد من صفوف المسلمين، لراعك أن تجد فيه الغني بجانب الفقير، والعالم بجانب الأمي، والشريف بجانب الوضيع، والحاكم بجوار الخادم، لا فرق بين واحد وآخر، فكلهم سواء أمام الله، في قيامهم وقعودهم، وركعوهم وسجودهم، قبلتهم واحدة، وكتابهم واحد، وربهم واحد، خلف إمام واحد.
وفي الأرض المقدسة حيث تُؤدَّى مناسك الحج والعمرة، تتحقَّق المساواة بصورة أكثر ظُهورا، وتتجسَّد تجسُّدا تراه العين وتلمسه اليد، فقد يظلُّ الناس في صف الصلاة يتمايزون بعض التمايز، بما يلبسون من أنواع الثياب التي تختلف باختلاف البلدان والطبقات والمقدرة ... أما في الحج والعُمرة، فإن شعيرة الإحرام تفرض على الحجاج والمُعتمرين أن يتجردوا من ملابسهم العادية، ويلبسون ثيابا بيضاء ساذجة، لم يدخلها التكلُّف والتصنُّع، أشبه ما تكون بأكفان الموتى، يستوي فيها القادر والعاجز، والملك والسوقة، ثم ينطلق الجميع مُلبين بهتاف واحد: "لبيك اللهم لبيك"[4]
الناس سواسية أمام الحلال والحرام:
ومن المساواة العملية التي قرَّرها الإسلام قولا، وطبقها فعلا، المساواة أمام قانون الشرع وأحكام الإسلام، فالحلال حلال للجميع، والحرام حرام على الجميع، والفرائض مُلزمة للجميع، والعقوبات مفروضة على الجميع، حاولت إحدى القبائل عند الدخول في الإسلام، أن تُعفى من الصلاة حينا من الزمن، فأبى عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "لا خير في دين لا صلاة في[5]. وحاول الصحابة أن يشفِّعوا أسامة بن زيد، حِبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن حِبِّه، في امرأة من قريش ومن بني مخزوم سرقت، فاستحقَّت أن يُقام عليها حدَّ السرقة -قطع اليد- فكلَّمه فيها أسامة، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، غضبته التاريخية المعروفة، ووقف يخطب في الناس، وقال كلمته التي خلَّدها التاريخ: "إنما هلك الذين قبلكم: أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله، لو سرقت فاطمة بنت محمد، لقطعتُ يدها"[6].
سبب هلاك الأمم السابقة:
هذا هو سبيل الهلاك في الأُمم، أنهم يُعفون الشريف من العقوبة، إذا سرق تُرك ولم يُقم عليه الحد، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، هذا هو سبب البلاء، وهذا هو المدخل إلى الانهيار ... انهيار المجتمع كله.
هذا هو الذي يؤلِّب القوي، ويؤرث النفوس، يؤرث الأحقاد في النفوس، "وايم الله: لو سرقت فاطمة بنت محمد، لقطعتُ يدها".
فاطمة ... صغرى بنات النبي صلى الله عليه وسلم، وأعزُّهنَّ عليه وأحبُّهنَّ إليه، يضرب بها المثل: "لو سرقت لقطع محمد يدها". هذا هو العدل، هذا هو عدل الله الذي لا يفرِّق بين إنسان وإنسان، ولا بين أسرة وأسرة، ولا بين مخلوق ومخلوق، ما داموا كلهم عبادًا لله، فليُقَم عليه شرع الله، وليقم عليه حدُّ الله ... وهذا هو بدء الخير والعدل بين الناس، وترك هذا هو بدء الشر والانهيار ... بداية الهلاك.
نسأل الله عز وجل أن يفقهنا في ديننا، وأن يقفنا عند حدوده، عند أوامره ونواهيه، إنه سميع قريب.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى