منتدى الشهيد بلحصيني قويدر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المفعول المطلق والمفعول لأجله

اذهب الى الأسفل

المفعول المطلق والمفعول لأجله Empty المفعول المطلق والمفعول لأجله

مُساهمة  kader الخميس ديسمبر 10, 2009 10:40 am

المفعول المطلق والمفعول لأجله

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صَلِّ وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.

أيها الإخوة الحضور! أيها الإخوة المشاهدون! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أحييكم تحية طيبة وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرزقني وإياكم الإخلاص في القول والعمل، وأن يوفقنا إلى صالح الأعمال، وأن يهدينا إلى ما يقربه إليه، ويجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم.يأتي أحيانا بعض الأشياء التي تنصب وتعرب مفعولا مطلقًا وهي ليست مصدرًا، ولكن لها مساسًا بالمصدر، قالوا منها كلمة: "كل وبعض" بشرط أن تُضاف إلى المصدر، لأنك إذا قلت: "أكرمتُ إكرامًا"، أو "أكرمتُ كُلَّ الإكرامِ" فالمعنى متقارب، ولذلك فإن "كُلَّ" تُنْصَب وتأخذ حكم المصدر الذي هو هنا المفعول المطلق، ويكون المصدر الذي بعدها مضافًا إليه مجرورًا، ولذلك قال الله -سبحانه وتعالى: ? فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ ?[النساء: 129]، أصله في غير القرآن "ولا تميلوا ميلاً"، والميل -كما ترون- مصدر منصوب على المفعولية المطلقة، لما أضيفت كلمة "كل" إليه أخذت حكمه بالنصب على المفعولية المطلقة، وصارت كلمة "الميل" مضافا إليه، "ولا تميلوا كل الميل".

ومثلها قوله تعالى: ? وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ ?[الحاقة: 44]، هنا الآن لو قلت: "تَقَوَّلَ أَقَاوِيلَ"؛ لأن أَقَاوِيلَ جمع قول، والقول مصدر، وجمع المصدر يُعامل معاملة المصدر، فلو قلت في غير القرآن: "تَقَوَّلَ أقاويلَ"، أو "تَقَوَّلَ قولاً"، لنُصِبَ على المفعولية المطلقة، لما قال الله -سبحانه وتعالى: ? وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ ? فأضاف "بعض" إلى المصدر وأخذت كلمة "بعض" حكم المفعول المطلق ونُصِبَت، وأضيفت إلى ما بعدها، وصارت كلمة "الأقاويل" مضافًا إليه مجرورًا، إذن أخذت كلمة "بعض" و"كل" حكم ما أضيفت إليه وهو المصدر وانتصبت على المفعولية المطلقة.

هذا نوع من أنواع ما ينصب على المفعولية المطلقة، منها العَدَد؛ عدد حصول مرات المصدر أو الحدث، في قوله تعالى: ? فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ?[النور: 4]، أصله: "اجلدوهم جلدًا"، فجلدًا مفعول مطلق، فالعدد ناب عن المصدر، ولذلك نُصِبَ وعلامة نصبه الياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، لأن ألفاظ العقود تُعرَب بإعراب جمع المذكر السالم، فهي ملحقة به.

أسأل سؤالاً خارج الموضوع: لماذا كانت ألفاظ العقود هذه ملحقة بجمع المذكر السالم، وليست جمعَ مذكَّرٍ سَالِمٍ؟

يقول: لأنه ليست لها مفرد من لفظه.

أحسنت، جمع المذكر السالم ينبغي أن يكون له مفردٌ من لفظه، وألفاظ العقود هذه من العشرين إلى التسعين ليس لها مفرد من لفظها، لكنها تعرب بإعراب جمع المذكر السالم، ولذلك قيل: إنها ملحقة به؛ لكونها تعرب بإعرابه وإن خالفته في بعض شروطه.

على ذلك فإن "ثمانين" هنا عدد الجلدات، وقد نُصِبَت وعلامة نصبها الياء؛ لأنها ملحقة بجمع المذكر السالم؛ ولأنها نابت عن المصدر، فبدلاً من أن تقول: "اجلدوهم جلدًا" وَضَّحْتَ عدد المرات فأتيت بالعدد، والعدد إذا جاء في مقام المصدر فإنه يُعرَب بإعرابه فيقع مفعولاً مطلقًا في مكانه.

كذلك اسم الآلة التي حَصَلَ بها المصدر، أنت تقول: "ضربت ضربًا"، فيكون "ضربًا" مفعولاً مطلقًا، وتقول: "ضربت عصًا" أو "ضربت سوطًا"، فتكون هذه الآلة المضروب بها أيضا قامت مقام المصدر فنُصِبَت على المفعولية المطلقة، ولم نقل إنها مفعول به لماذا؟ لماذا لم يكن "ضربت عصًا" و"ضربت سوطًا" المنصوبة على أنها مفعول به وليس مفعولاً مطلقًا؟ قد يقول قائل: يمكن أن نُعرِب "ضربت عصًا" أو "ضربت سوطًا" مفعولاً به، لماذا نعربه مفعولاً مطلقًا؟

يقول: لأنه لم يقع عليه الفعل.

أحسنت، المفعول به شرطه أن يقع عليه الفعل، وهذه أداة وقع الفعل بِوَسَاطَتِهَا، فهي إذن ليست مفعولا به وإنما هي مفعول مطلق، وقد قامت مقام المفعول المطلق، لأنك بدلا من أن تقول: "ضربت ضربًا" نابت الآلة أو الأداة التي حصل بها الضرب مناب المصدر، الذي هو الحدث، فأُعْرِبَت بإعرابه ونُصِبَت.

يقول: هل يجتمع المفعول به والمفعول المطلق، وهل يتعدد المفعول المطلق للفعل الواحد.

أما أنه يجتمع مفعول به ومفعول مطلق فنعم، تقول: "ضربت زيدًا ضربًا"، فيكون "زيدًا" مفعولاً به، و"ضربًا" مفعولاً مطلقًا، وأما أنه يتعدد المفعول المطلق للفعل الواحد.. فنحن عرفنا أن المفعول المطلق يكون من لفظ المصدري أو من معناه، وما دام من لفظه أو معناه فهو معنى واحد فلا وجه لتعدده، لأنك ما تقول: "ضربت ضربًا ضربًا ضربًا" مثلا إلا من باب التأكيد، فلا يكون من باب التعدد، ولكنه يكون من باب التأكيد، إذن لا يتعدد المفعول المطلق ولكن يجتمع المفعول المطلق مع المفعول به، تجتمع المفعولات.

تقول: فهمت من كلامكم -فضيلة الشيخ- في اللقاء السابق أن لا نضع ألفا بعد الواو إذا كانت أصلية في الفعل حتى لو كان الفعل بصيغة الجمع؟ فهل لا نضع ألفا بعد الواو في الفعل "نرجو" للجمع لأن الواو أصلية، مع أني كنت أَحُضُّ زميلاتي على هذا الفعل للتفريق بينه وبين "أرجو" للمفرد، ملحوظة: ليست الألف التي توضع بعد واو الجماعة هي عوض عن النون المحذوفة.

سأبدأ بالآخِر:

أما أن الألف التي تُذكَر بعد واو الجماعة هي عوض عن النون المحذوفة فلا، إنما هذه ألف يسمونها الفارقة وهي التي تَفْرُق بين وَاوَيْنِ؛ يعني هي ألف تبين أن ما قبلها واو تختلف عن واو أخرى، فإذا رأيت الألف فاعلم أن واوها من نوع، وإذا لم تَرَ الألف فاعلم أن الواو من نوع آخَر، فالألف إذن تَفْرُق بين واو وواو، هناك واو تجتمع معها الألف، وهناك واو لا تجتمع معها الألف، أما الواو التي تكون معها الألف فهي واو عبارة عن كلمة مستقلة؛ ضمير، واو الجماعة يعرب فاعلا أو نائبَ فاعل، نقول: "ضَرَبُوا" الواو فاعل، "ضُرِبُوا" الواو نائب فاعل، فهي كلمة مستقلة "الواو"، وهي ضمير ولا علاقة لها بالفعل، فالفعل كَمُلَ قبلها، فمتى جاءت هذه الواو التي هي كلمة برأسها ضمير تُعرَب فاعلا فإنا نلحق بها الألف، أما إن كانت الواو هي جزء من الفعل كـ «يدعو، ويسمو، ويرجو، وينمو» هذه واو جزء من الفعل، سواءً كان الفاعلُ واحدًا أو جماعة فالواو باقية كجزء من الفعل، فتقول: "أرجو" للواحد و"نرجو" للجماعة، إن لم يكن واحدًا معظِّمًا نفسَه، وكذلك الباقي، فإذن الواو هذه جزء من الفعل، يمسونها الصرفيون "لام الفعل"؛ لأنها الحرف الأصلي الثالث من حروف الفعل الأصلية، وما دامت جزءًا من الفعل فلا تلحقها الألف، لأن الألف إنما تلحق تلك الواو التي هي مستقلة عن الفعل، التي هي كلمة برأسها، ولا تلحق الواو التي هي جزء من الفعل، عرفنا لماذا سميت الألف فارقة؛ لأنها تفرق بين واو الضمير؛ "الكلمة المستقلة" وبين الواو التي هي حرف من حروف الفعل، فتلحق الواو المستقلة؛ "واو الضمير المستقلة التي هي كلمة برأسها"، ولا تلحق الواو التي هي جزء من الفعل الذي قبلها، إذن عندما نقول: "أرجو" أو "نرجو" كلها بلا ألف؛ لأن الواو هنا جزء من الفعل، لكن إذا قلت مثلا: "ضربوا" أو "ذهبوا" فإنك تضيف ألفًا لأن الواو ليست أصلية في الفعل، فـ "ذهب" هو الفعل، و"ضرب" هو الفعل، وجاءت الواو فيهما زائدة.

طبعا أنا لا أريد أن أدخل في مسألة خلافية، لأن من النحويين من يقول: إنه حذفت واو الفعل وأبقيت واو الجماعة، فالواو هي الباقية في "نرجو" لأن أصلها "نَرْجُو" نَفْعُل، ويظهر هذا "اُرْجُو" مثلا للأمر؛ لأن "نرجو" نَفْعُل هذه واضحة، لكن في الأمر "اُرْجُو"، فهنا يختلف الأمر، لأنهم يقولون إن وزنها: "اُفْعُو"، فاللام قد حُذِفَت والواو هي واو لجماعة، وما دامت الواو الموجودة هي واو الجماعة فهي ألف.

بكل حال.. متى كانت الواو أو متى قَدَّرْتَ الواو هي واو الجماعة الضمير المستقل فهي في محل ألف، ومتى قَدَّرْتَهَا أنها جزء من الفعل فَأَبْقِهَا بدون ألف.

تقول: تسأل عن جمع أُخْطُبُوط والضابط في ذلك.

بالنسبة لجمع ما لا يعقل، فإن هناك جموعَ تكسير لكنها سماعية، لكن الجمع القياسي فيما لا يعقل هو الجمع بألف وتاء، فكل ما رأيت كلمة وخِفْتَ أن تجمعها على جمع غير صحيح وهي من غير العاقل فاجمعها بالألف والتاء؛ لأنها جمع قياسي.

نأتي للنوع الثالث من أنواع المفاعيل وهو المفعول له أو المفعول لأجله، نحن عرفنا أن المفاعيل كلها منصوبة، والمفعول له أو لأجله طبعا معناهما واحد، وواضح من اسمه أنه يفيد التعليل، لأنك لأجل كذا أو من أجل كذا، أو لكذا؛ أي بسبب كذا، فهو يفيد العلة وهو واضح، ولذلك سمي مفعولا له أو لأجله؛ لأنه مصدر يفيد التعليل: ? يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ? [البقرة: 19]، لماذا يجعلون أصابعهم في آذانهم؟ قال: "حذر"؛ خوف الموت، "حذر" مصدر، وقد بَيَّنَ عِلَّة جعل الأصابع في الآذان، إذن هو مصدر أفاد التعليل، ومتى أفاد المصدر التعليل نُصِبَ على المفعولية لأجله، أو من أجله، أو المفعول له، فهو مصدر يفيد التعليل ويبين علة حصول الفعل، تقول: "جئت إكرامًا لك"، "جئت رغبةً في العلم"، "جئت طلبًا للفائدة"، كلها مصادر -كما ترون- منصوبة كـ "حَذَرَ الموت" منصوب، ونصبها على المفعولية أنها مفعول لأجله، أو من أجله، سواء قلت: مفعول لأجله، أو من أجله، أو مفعول له، كلها تؤدي معنى واحدًا، وهو ذلك المصدر الفضلة الذي يفيد التعليل.

تفاصيل الحديث عن المفعول لأجله يمكن أن تكون الحاجة إليها لغير المختص ليست بالكبيرة، وربما لَبَّسَت على طالب العلم المبتدئ، فأكتفي بأهم ما فيه وهو هذا الأمر، وهو أنه مصدر يفيد بيان العلة، مسألة اشتراط أن يكون الاتفاق في الفاعل والزمن إلى آخره من الشروط التي ذكرها النحويون، هذه مهمة ولكنها ربما توجِدُ نوعًا من اللبس للطالب المبتدئ إضافة إلى أن اختلال الشروط نادر الوقوع، ولذلك فإني أَضْرِبُ عنه صَفْحًا أو أتجاوزه إلا إذا ورد فيه سؤال أو احتاج أحد من الإخوة إليه فإني أُفَصِّلُهُ، لكن بكل حال ما يُهِمُّ طالب العلم المبتدئ في مثل هذا أو طالب العلم الذي يريد أهم ما في الموضوعات، فالمهم في المفعول لأجله أو من أجله أو المفعول له أنه ذلك المصدر الذي يفيد التعليل وبيان سبب وقوع الفعل وهو مصدر، ولذلك يُنصَب كغيره من المفاعيل.

رابع المفعولات هو المفعول فيه، وكما ترون أنه مقيد بحرف الجر "في".

يقول: هل يشترط في المفعول لأجله أن يكون مصدرًا قلبِيًّا أو غير ذلك.

ما دام يعلل فطبيعي أنه يُستعمل ذلك المصدر الذي يفيد التعليل، والتعليل -كما ترى... فأنت لا تقول مثلا: جئت ضربًا لفلان؛ لأن الضرب ليس علة، وليس تعليلاً، فما دام تعليلاً فنعم، يفترض أن يُتَوَجَّه إلى القضايا القلبية؛ لأنها هي التي يُتَصَوَّر فيها التعليل.

بكل حال متى أمكن فهم العلة من المصدر جاز إعرابه مفعولا مطلقًا، أو مفعولاً لأجله.

يقول: هل يمكن أن نُعرب: "جئت رغبةً في العلم"، "رغبة" حال.

لا يعرب حالاً؛ لأن الحال شرطه أن يكون مشتَقًّا، ورغبة -كما ترون- مصدر، إذا قلت: جئت راغِبًا في العلم فهذا حال؛ لأن "راغبًا" اسم فاعل مشتق، وأما "رغبة" فهو مصدر، والفرق بينهما أن المصدر بَيَّنَ عِلَّةَ المجيء، وهذا بَيَّنَ هيئة الفاعل عند اتصافه بالفعل، عندما جاء كان مُتَّصِفًا بالرغبة، أما في الصيغة الثانية أو في الجملة الأخرى: جئت رغبة في كذا، هو لا يبين صفة الحال ولكنه يبين دافع الفاعل عند حدوثه.

طبعا واضح الفرق بينهما أن هذا مصدر وهذا مشتق، والحال شرطه أن يكون مُشْتَقًّا.

يقول: المفعول المطلق عندما يوصف ويُحذف الموصوف نعربها مفعولاً مطلقًا، لماذا ناب عنه وهو فضلة؟ مثل: "جلست جلوسًا طويلاً"، جلست إذا حذفنا المفعول المطلق "جلوسا" فأصبحت الجملة: "جلست طويلاً"، نعرب طويلا مفعولاً مطلقًا.

قال بعض النحويين إنها تعرب مفعولاً مطلقًا، وبعضهم قال أَبَدًا، هي وصف للمفعول المطلق المحذوف، فإن قلت بهذا أو بهذا فالأمران يؤديان معنى واحدًا، هو منصوب إما لكونه مفعولاً مطلقًا كما رأى بعضهم وقال: إنه قد ناب النعت عن منعوته، أو نابت الصفة عن موصوفها، لأن بعض الناس يقول: كلمة "طويلاً" الآن هذه صفة مشبهة، فكيف تقولون إنها مفعول مطلق، وشرط المفعول المطلق أن يكون مصدرًا؟! فيقولون: حُذِفَ الموصوف وقامت الصفة مقامه فأعربت بإعرابه، ومن يريد أن يطرد الباب طردًا واحدًا يقول: المفعول المطلق هو المصدر المحذوف، وهذا نعت له وهو مُقَدَّر، لأن تقدير هذا: "جلست جلوسًا طويلاً" فلا فرق، والأمر في ذلك يسير، يعني إن أعربته بهذا أو بهذا فالأمران لكل منهما وجه.

نأتي لمسألة المفعول فيه أو الظرف، المفعول فيه واضح من اسمه أنه شيء يحصل فيه شيء، وتسميته بالظرف أيضا تسمية واضحة؛ لأن العرب يعنون بالظرف أنه ما يحوي شيئا، فيقال: هذا ظرف، وهو ما يضع فيه الإنسان ما معه، والعرب كانوا يستعملون الظروف، والجاحظ يصف الكتاب بأنه ظَرْفٌ حُشِيَ ظُرْفًا، ونحن الآن نستعمل ظروف الرسائل؛ لأنها تحوي الرسالة وتكون في داخلها، فإذن الظرف هو شيء يوضع الشيء فيه، فتسميته ظرفًا جاءت من هذه الناحية.

تقول: أنا أسأل عن إعراب كلمة "إذ" في قول الله تعالى: ? إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ ?.

تقول: أسأل في قول الله تعالى في سورة طه: ? يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأيْمَنَ ? هنا جاءت منصوبة، بينما في أغلب القرآن "وَوَاعَدْنَاهُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنِ" جاءت بالجر.

بالنسبة لإعراب "إذ" معناها وقت، "إذ أخرجه الذين كفروا"؛ يعني وقت إخراج الذين كفروا، فإذن هي ظرف مبني على السكون في محل نصب وكل الظروف -كما نعرف- مفعول فيه كما سيتضح الآن، فهي ظرف مفعول فيه، لكن لكونها قد جاءت عن العرب بصيغة واحدة قلنا إنها مبنية على السكون وتكون في محل نصب على الظرفية، الظرفية الزمانية قطعا لأنها بمعنى وقت، "إذ أخرجه": وقت إخراج الذين كفروا له، إذن هي ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب، هذا إعرابه.

وأما "الأيمن" في الآية أحيانا تكون بالفتح وأحيانا تكون بالكسر، إذا جاءت بالفتح: "جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ" فهي نعت للجانب؛ لأن الجانب هو الأيمن، وإن جاءت بالكسر فهي نعت لما قبلها المكسور المضاف إليه، يعني الآن المضاف منصوب والمضاف إليه مجرور، فإن جاءت منصوبة فهي نعت للمضاف، وإن جاءت مجرورة فهي نعت للمضاف إليه المجرور، وبالحالين يُفترض أن يُلتمس حكمة من وصف المضاف بالأيمن في جهة، ووصف المضاف إليه بالأيمن في جهة أخرى، وقطعا لكل مقام من هاتين الآيتين علة توجب ذلك، فأنت لو تأملت في كل آية لوجدت أن المقصود وصف ما جاء إذا نُصِبَ وجدت أن معنى الآية يرجع إلى المضاف، وإذا وجدته مجرورًا وجدت أن معنى الآية يرجع إلى المضاف إليه، وهذه فائدة النحو، أنه لا يحتاج أن يقول لك إني أريد بهذا وصف الكلمة الفلانية، ولكنه يعطيك حركتها فيدلك على أنه يريده، وأنت من هنا تنطلق إلى إيضاح المعنى، فالإعراب مُوضِح للمعنى.

يقول: عندي أسئلة: السؤال الأول: إعراب قول الله -عزّ وجلّ: زَوَّجْنَاكَهَا، في قوله تعالى: ? فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ?

والسؤال الثاني: قول الشاعر محمود غنيم:

كَمْ بِالْعِرَاقِ وَكَمْ بِالْهِنْدِ مِنْ شَجَن *** شَكَا فَرَدَّدَتِ الأَهْرَامُ شَكْوَاهُ

ما إعراب "الأهرام" هنا، هل هي مرفوعة على أنها فاعل أو أنها مجرورة؟

والسؤال الثالث:

ما الفرق بين تاء الفاعل وتاء التأنيث؟

والسؤال الرابع والأخير: هل قول الله -عزّ وجلّ: ? وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ?25? وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ? إلى آخر الآية هل هذه هاء السكت؟.


تقول: ذَكَرْتَ في مجال قوله تعالى: ? وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ ? أن "بعض" تنوب عن المفعول المطلق، فهل نعربها مفعولاً به، أم نعربها مفعولاً به عامًّا في محل نصب على الظرفية على المفعول المطلق، أم نعربها مفعولاً مطلقًا وما بعدها مضافًا إليه؟

والسؤال الثاني: القرآن فيه عدد من الآيات يأتي المنادى إما محذوفَ أداةِ النداءِ كقوله: "رَبِّ" أو "رَبِّي" بوصل ياء المتكلم، فما الفرق في إعراب الكلمتين؟.


أنا أتذكر أن السائل الكريم سأل هذه الأسئلة في إحدى الحلقات السابقة، وبدأت أرتب في البدء في الإجابة فقيل لي: انتهى الوقت.

"زوجناكها": "زَوَّجَ" فعل ماضي مبني على السكون لاتصاله بناء الفاعلين، "نا" ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل، و"الكاف" ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به أول، و"ها" ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به ثاني، إذن هذه جملة مكونة من أربع كلمات: "فِعْلٍ وَفَاعِلٍ وَمَفْعُولَيْنِ"، لأن "زَوَّجَ" مما يتعدى إلى مفعولين ويحتاج إلى مُزَوِّج، ومُزَوَّج، ومُزَوَّج به. هذا واضح.

أما شطر البيت "فَرَدَّدَتِ الأَهْرَامُ شَكْوَاهُ" فواضح أن المرَدِّد هو الأهرام، وطبعا هي نوع من الاستعارة وإلا فالأهرام جماد لا تردد، لكن الشعراء دائما يُلبسون الشيء لباس غيره من باب تجسيم الشيء، أو بث الروح فيه، فواضح أن الشكوى هي المرَدَّدَة وأن الأهرام هي المرَدِّدَة برأي الشاعر فهي فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.

الفرق بين تاء الفاعل وتاء التأنيث؟ "تاء الفاعل" متحركة، و"تاء التأنيث" ساكنة، هذا الفرق الأول، الفرق الثاني: "تاء الفاعل" كلمة مستقلة؛ أي أن "تاء الفاعل" اسم، و"تاء التأنيث" حرف، ولذلك فـ "تاء التأنيث" لا إعراب لها، وليس لها محل من الإعراب، و"تاء التأنيث" لا تكون فاعلا ولا مفعولا ولا غيرها، فهي حرف لا محل له من الإعراب، أما "تاء الفاعل" فإنها تقع فاعلا ونائب فاعل فتكون في الجملة برأسها، كِلاَ التَّاءَيْنِ يكون علامة على أن ما دخلت عليه فعل، فتقول: قَامَتْ، وتقول: قُمْتُ، فهي دليل على فِعْلِيَّة ما قبلها، ولكن وَضَحَ الفرق بينهما أن تاء التأنيث ساكنة، طبعا كلاهما مفتوحة مبسوطة، لكن تاء التأنيث ساكنة، وأما تاء الفاعل فهي متحركة، وتاء التأنيث حرف، وتاء الفاعل اسم، ولذلك تُعرَب كإعراب كلمة برأسها، سواءً كان متكلمًا أو مخاطَبَا، وأما تاء التأنيث فلا تُعرب بإعراب مستقل، بل هي حرف لا محل له من الإعراب.

يبقى أمر فيما يتعلق بتاء الفاعل، وهو أنها تتحرك بالحركات الثلاث، هي متحركة وعرفنا أن تاء التأنيث ساكنة، وأن تاء الفاعل متحركة، مِيزَة تاء الفاعل أنها تأتي بالحركات الثلاث فتقول: ذهبتُ وذهبتَ وذهبتِ، فإن كانت للمتكلم ضُمَّت، وإن كانت للمخاطَب المذكر فُتِحَت، وإن كانت للمخاطب المؤنث كُسِرَت، وهي بكل حال تُعرَب فاعلا في هذه الجمل الثلاث جملة مستقلة كلمة برأسها، هذا هو الفرق بينهما.

في قوله تعالى: ? كِتَابِيَهْ ? طبعا أصلها "كتابي" في غير القرآن، ثم المقام مقام مد الصوت ? يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ? أو أنه مقام الإنهاك والتعب، مَنْ أُوتِيَ كتابه بهذه الصورة فهو في مقام الأسى والحزن، ولذلك فهو يمد صوته، أو هو يتعب من نطق الكلمة فيأتي بهاء بعد الياء، وإلا فـ "كتابي" انتهت، لكن يُؤْتَى بهذه الهاء للوقف "كتابيه"، ومثله "لم أوت حسابيه" أصلها "حسابي" وجيء بالهاء هذه للوقوف، ولذلك سميت بهاء السكت.

الأخت التي سألت عن "بعض"، تقول: هل نعربها مفعولاً مطلقًا أو مفعولاً به؟

أقول مثلا: "ذكرت القول"، أو أقول مثلا: "قلت: الحمد لله"، فكلمة "الحمد لله" هذه هي مقول القول، فهذه في محل نصب مفعول به، لكن إذا جئنا بالمصدر: "قلت قولا" فواضح من قولي "قلت"، أني قلت قولا، وإنما جيء به لغرض تأكيدي، وهو أهم أغراض المفعول المطلق، ولذلك نُعرِبُه مفعولاً مطلقًا ولا نعربه مفعولاً به؛ لأنه مفهوم من النطق بفعله، ولذلك فإنَّا نعرب كلمة "قولا" هذه مفعولاً مطلقًا، وكذلك كلمة "بعض" أو "كل" إذا أضيفت إلى المصدر أخذت حكمه، لأنك لو قلت: "كل القول" أو "بعض القول" هو مثل قولك: "قلت قولا" لكنها فيها نوع من الشمول عند "كل"، وفيها نوع من التخصيص في قولك "بعض"، ولذلك أخذت إعرابه؛ لأنها تؤدي معناه أو قريبًا من معناه.

بقي في مسألة "رب" و"ربي" هذه بالياء وتلك بالكسرة، هذا الاسم المنادى المضاف إلى ياء المتكلم وأذكر أننا تحدثنا عنه منذ حلقتين تقريبا من الدرس قبل السابق، وقلنا حينذاك: إن الاسم المضاف إلى ياء المتكلم يجوز فيه عدد من اللغات أشهرها ثلاث، وهو أنه تأتي بياء المتكلم ساكنة، أو تأتي بها مفتوحة، أو تحذفها وتكسر ما قبلها للدلالة عليها، فتقول: "رَبِّي" وتقول: "رَبِّيَ"، وتقول: "رَبِّ" بكسرة، كلها صيغ وردت عن العرب وجاءت في القرآن فقيل ? يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ ?، وقيل ? يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ ?، وقيل: ? قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا ? وقيل: ? نَبِّئْ عِبَادِي ?، "عبادي" عند الوصل تقول عبادِ بالكسر، لكن عند الوقف تُسَكِّنُهَا، فجاءت بالصيغ الثلاث وكلها صيغ فصيحة واردة عن العرب.

كما تسأل يا شيخ عن: ? وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقَاوِيلِ ?

ذكرت هذا الآن.. وهي تسأل هل هو مفعول مطلق أو مفعول به، ومفهومها أنها تقول: بعض الأقاويل هي المقولة فينبغي أن تكون مفعولا به، هذه هي الشبهة التي عندها، وهي ليست بشبهة إنما هذا وجه استفسارها، لكني أقول: إذا ذكر المقول.. يعني قلت: "لا إله إلا الله"، "لا إله إلا الله" هذه جملة مقولة فهي في محل نصب مقول القول مفعول به، لكن إذا جئتُ بالمصدر: "قلت قولا" فلا أقول إن "قولا" مفعول به؛ لأنه هو صيغة "قلت" لم يفد معنًى جديدًا، وإنما أَكَّدَ المعنى السابق، والتأكيد هو أهم أغراض المفعول المطلق، ولا نسميه مفعولاً مطلقًا ولا نسميه مفعولا به، "كل" و"بعض" إذا أضيفت إلى المصدر تأخذ حكمه؛ لأن قولك: "قلت قولا" أو "قلت بعض القول" أو "قلت كل القول" هي تؤدي معاني متقاربة إلا أن فيها نوعًا من التخصيص أو التعميم عند "كل" فيها عموم، و"بعض" فيها تخصيص أو تقليل، لكنها تؤدي جزءًا من المعنى المقصود، أو شيئا من المعنى المقصود، ولذلك تبقى نائبة عن المفعول المطلق ويكون ما بعدها الذي هو القول المصدر مضافا إليه.

يقول: عن إعراب كلمة "أَحَقًّا" في قول الشاعر: "أَحَقًّا عِبَادَ اللهِ أَنْ لَسْتُ صَادِرًا وَلاَ وَارِدًا إِلاَّ عَلَيَّ رَقِيبُ

"حَقّ" هذه مصدر، تقول: "حَقَّ يَحِقُّ حَقًّا": أي وَقَعَ يَقَعُ وُقُوعًا، أو ثَبَتَ يَثْبُتُ ثُبُوتًا، فحق عقاب؛ أي وقع عقاب، فإذا قلتُ: "حَقًّا" فهو مصدر، "حق حَقًّا" وما دام مصدرًا فهو هنا مفعول مطلق؛ لأن تقديره: "حق هذا حَقًّا" فنقول: إعرابه مفعول مطلق منصوب وعلامة نصبه الفتحة، وللفائدة فـ "أيضًا" مثله؛ لأن "أيضًا" تُسْتَعْمَلُ كثيرًا، "أيضًا" هي مفعول مطلق؛ لأن "آضَ" معناها رجع فـ "آضَ أيضًا": أي رَجَعَ رجوعا، بعض الإخوة يستعملها ولا يدري ما معناها، أو يعرف ما معناها لكن لا يعرف ما أصلها، ولذلك فـ "أيضًا" هذه مصدر، ومعناها "رجوعا" وهي منصوبة على المفعولية المطلقة، ومعنى قولنا أنها "رجوعًا"؛ لأنك تقول: حصل هذا أيضًا؛ يعني نرجع إليه مرة ثانية، كقولك: "جاء محمد وجاء خالد أيضًا"؛ أي رجوع أيضًا إلى مجيء فلان، جاء صاحبه مثله، فإذن كلمة "أيضًا" هذه مصدر منصوب على المفعولية المطلقة، وقد حُذِفَ عامله: أي "آضَ أيضًا" كما حُذِفَ عامل "حَقَّ حَقًّا"، ونصبت على المفعولية المطلقة.

تقول: تسأل عن كتابة اللهم صلِّ هل تُكتب بلام مشددة مكسورة أو بياء.

تختلف هذه عن ما نحن فيه؛ لأن "صَلِّ" هذه فعل أمر، وأما ما سُئِلَ عنه منذ قليل فهو منادى مضاف إلى ياء المتكلم، طبعا "صَلَّى" هذا فعل معتل الآخر، ونحن نعرف أن الفعل المضارع المعتل الآخر إذا جُزِمَ تكون علامة جزمه حذف حرف العلة، وأمره يُبْنَى أيضًا بحذف حرف العلة، فإذن "صَلِّ" نقول: فعل أمر مبني على حذف حرف العلة، فيؤتى بلام مكسورة ويكون قد بُنِيَ على حذف حرف العلة التي هي في آخره، صَلَّى يُصَلِّى هذه، فلا تُكتب بل يُكتفى بكسرة قبلها ويكون بناؤها على حذف ذلك الحرف.






حديثنا -إن شاء الله تعالى- سيكون ممتدًّا في المنصوبات، وسيكون بدء الحديث عن المفعول المطلق، ولكن قبل ذلك إذا رأيتم أن نستمع إلى كلام الإخوة الحاضرين هنا أعيد سؤال الحلقة السابقة، وإن كان هناك إجابات في الموقع فيكون بعد سماع جواب واحد أو اثنين من الإخوة إن وُجِدَ من يجيب، كان السؤال عن المقصود بالْمُتَفَجَّع عليه والْمُتَوَجَّع منه في الندبة ما المقصود به؟ وما مثاله؟

إذا كان لأحد أن يجيب ولو باختصار، لا يجيب بتفصيل ولا بإجابة كاملة، من عنده جواب فليتفضل.

يقول: الْمُتَفَجَّع عليه هو كالميت مثلا ويُقصد به الندبة، والْمُتَوَجَّع منه: وهو الذي يُقصد به مثلا ألم الرأس فيقول: وَا رَأْسَاه، ومثاله بالنسبة للمُتَفَجَّع عليه كـ: "وَا عَمْرَاه" لرجل اسمه عمرو مثلا والْمُتَوَجَّع منه: "وَا رَأْسَاه".

أحسنت، طبعا عندما نجيب على مثل هذه الأمور أو نتحدث في هذه القضايا فينبغي أن نتنبه لمسألة الضوابط الشرعية لكثير من الألفاظ التي نستعملها؛ لأنه لا بد من التنبه لكثير من القضايا، لأننا نتحدث عن استعمالات يستعملها العرب، هذه استعمالات موجودة عند العرب في الجاهلية وفي الإسلام، بعضها أقرها الدين، وبعضها للإسلام فيه رأي، ولذلك فإنا عندما نذكر بعض الصيغ والمصطلحات والاستعمالات العربية فإننا نقول: إنه ينبغي أن يُلتَزَم فيها بضوابط الشرع عند استعمالها.

يقول: الجواب: المقصود بنداء الْمُتَفَجَّع عليه أو الْمُتَوَجَّع منه هو نداء المندوب، والمندوب هو المنادى الْمُتَفَجَّع عليه أو الْمُتَوَجَّع منه، ومثال المنادى الْمُتَفَجَّع عليه قول جرير في عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه: "حُمِّلْتَ أَمْرًا عَظِيمًا فَاصْطَبَرْتَ لَهُ وَقُمْتَ فِيهِ بِأَمْرِ اللهِ يَا عُمَرَا"، والمنادى الْمُتَفَجَّع عليه هنا قوله: "يَا عُمَرَا"، ومثال المنادى الْمُتَوَجَّع منه قول المتنبي: "وَا حَرَّ قَلْبَاهُ مِمَّنْ قَلْبُهُ شَبِمُ وَمَنْ بِجِسْمِي وَحَالِي عِنْدَهُ سَقَمُ"، المنادى الْمُتَوَجَّع منه هنا قوله: "وَا حَرَّ قَلْبَاهُ"

أحسنت، طبعا الدليل على أنه يتفجع في قوله: "يَا عُمَرَا" ولا ينادي دليلان: دليل لفظي، ودليل سياقي أو مقامي، أما الدليل اللفظي فإنه قال: "يَا عُمَرَا" ولو كان يناديه لقال: "يَا عُمَرُ"؛ لأنه مفرد علم، ولو كان منادى لَبُنِيَ على الضم، لكن لما أَلْحَقَ به ألف الندبة، فُهِمَ أنه يَنْدُبُه ولا يُنادِيه.

والدليل المقامي أو السياقي: هو أنه قالها بعد وفاة عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- ولذلك فإن هذا من الندبة وليس من النداء.

أُذَكِّر قبل البدء بما أُذَكِّر به في معظم اللقاءات من أن هذا الدرس يستقبل الاستفسارات السريعة؛ النحوية واللغوية التي تمس إليها الحاجة، وإن لم تكن في موضوع الدرس نَجْنَحُ إليها لنحرِّك بها الجو ونفيد، لأنه ربما لا يُتاح لبعض الإخوة السؤال عن قضايا نحوية أو لغوية في مقامات أو دروس أخرى، واستقبالها كما ذَكَرَ الأستاذ أحمد منذ قليل أنه يكون إما عن طريق الاتصال أو عن طريق المراسلة عبر الموقع.

سيكون حديثنا -إن شاء الله تعالى- الآن في ثاني المفاعيل، وهو "المفعول المطلق".

نحن عرفنا أن المفاعيل خمسة، وأن المفاعيل كلها منصوبة، كل ما سُمِّيَ مفعولاً فهو منصوب، وتحدثنا في البدء عن المفعول به، وذكرنا أن المنادى من أنواع المفعول به؛ لأن حرف النداء ناب عن فعل، لأن قولك: "يا محمد" معناها "أدعو محمدًا"، وما دام في مقام المفعول به أو في محل نصب مفعول به -المنادى- نَاسَبَ أن يُتَحَدَّثَ عنه في مقام المفعول به، من هنا جاء تفصيل الحديث في المنادى وما يتبعه من استغاثة ونُدْبَة في مقام المفعول به.

وحديثنا عن المفاعيل حديث مختصر أترك فيه كثيرًا من التفصيلات التي لا تُهِمُّ طالب العلم، وبالذات طالب العلم المبتدِئ أو المتوسط، وأُبَيِّنُ فيه القضايا التي تَمَسُّ إليها الحاجة.

المفعول المطلق: نحن عرفنا أن المفاعيل كل واحد منها مقيد بقيد؛ فالمفعول به مقيد بقيد "الباء"، والمفعول فيه مقيد بـ "في"، والمفعول له أو لأجله مقيد بـ "اللام"، والمفعول معه مقيد بـ "مع"، وهناك مفعول لا يُقَيَّد وهو "المفعول المطلق"؛ لأنه لا يرتبط بقيد.

المفعول المطلق هو مصدر، وينبغي أن يكون فضلة، ونحن عرفنا في أحاديثنا السابقة ما المراد بالفضلة، وهو أن الكلام العربي يتكون دائما من مُسنَد ومُسنَد إليه، سواءً كانت الجملة فعلية أو اسمية، فإن كانت فعلية فالمسند هو الفعل والمسند إليه هو الفاعل أو نائبه، وإن كانت الجملة اسمية فالمسند هو الخبر والمسند إليه هو المبتدأ، ما عدا هذين الركنين، أو كل ما عدا ذلك من مفعولات، أو جار ومجرور، أو متعلقات كالحال والتمييز وغيرها من الأشياء، والظروف ونحوها، كلها تسمى فَضْلاَت.

وعرفنا وجه تسميتها بفضلة؟ وهو أنها ليست ركنا في الجملة، ولا يعني هذا أنه يمكن الاستغناء عنها، كما سيأتي بعد قليل في الكلام عن الحال، إِنْ أَذِنَ الوقتُ بالحديث عنه.

أقول: إن المفعول المطلق هو مصدر فضلة؛ يعني أنه ينبغي أن لا يكون ركنا من أركان الجملة؛ لأن الركنين -كما عرفنا- المبتدأ والخبر مرفوعان، والمصدر لا يكون فعلا، والفاعل مرفوع، والمفاعيل نحو المطلق وغيره كلها منصوبة، ولذلك هو فضلة، ولا يكون ركنا في الجملة.

على ذلك، هذا المصدر الذي نُعرِبه مفعولاً مطلقًا وهو فضلة، ينبغي أن يَعمَل فيه عامل سواء فِعْلٌ أو ما يقوم مقام الفِعْلِ، وأن يكون بينهما ارتباط في المعنى, إما أن يكون هو بلفظه، وإما أن يكون بمعناه، تقول: "أكرمت إكرامًا"، عمل فيه الآن فعل، و"إكرامًا": مفعول مطلق مصدر منصوب، وقد عَمِلَ فيه فعل من لفظه "أكرمت"، "ضربت ضربًا"، كذلك "ضربًا": مفعول مطلق، وعمل فيه الفعل الذي قبله وهو من لفظه.

تقول: "قعدت جلوسًا"، الجلوس هذا مصدر، وهو مفعول مطلق، وقد عمل فيه الفعل وهو "قعدت"، ولكنه ليس من لفظه ولكنه من معناه؛ لأن القعود والجلوس من جنس واحد، يوجد بينهما نوع من الفروق في الحديث في فقه اللغة، ولكنها بصفة عامة جنس العمل واحد أو متقارب.

ومثله قولهم: "تَأَلَّيْتُ حَلْفَةً"، لأن الأَلِيَّة هي الْحَلِف وهي اليَمِين، والْحَلْفَة: مصدر، لأنها اسم مَرَّة واسم الْمَرَّة من أنواع المصدر، فهي مفعول مطلق، وقد عَمِلَ فيها عامل من معناها.

إذن ينبغي أن يكون العامل الذي يعمل في المفعول المطلق إما أن يكون من لفظه وإما أن يكون من معناه، ولا يكون العامل أو الفعل السابق من معنى والمصدر أو المفعول المطلق من معنى آخر، فإنه لا ينصب على الْمَفْعُولِيَّة الْمُطْلَقَة.

أسأل سؤالا: لو قلتُ: "كَلامُكَ كَلامٌ حَسَنٌ"، الآن عندنا "كلام" مصدر، قد تقدم عليه شيء من لفظه وهو "كلامُكَ"، هل نُعرِب المصدر الأخير هذا مفعولاً مطلقًا، ولماذا؟

يقول: يُعرب المصدر مفعولاً مطلقًا لأن قبله اسْمً.

لكن نستطيع أن نقول: نعم هو اسم لكنه ممكن أن نحمله على المصدرية مثلا، أو على اسم المصدر وحينئذ يمكن أن يعمل، فلماذا لا أعرب "كلام" الثاني مفعولاً مطلقًا؟

يقول: لأنه عمدة

كيف صار عمدة؟

يقول: لأنه خبر

لأنه خبر، نحن عرفنا أن المفعول المطلق شرطه أن يكون فضلة، وهنا "كلام" الأولى مبتدأ و "كلام" الثاني خبر، وإذا أُعْرِبَ خبرًا لا يصح أن يكون مفعولاً مطلقًا، ولذلك -كما ترون- رُفِعَ، فقيل: "كَلاَمُكَ كَلاَمٌ"، ولو كان مفعولاً مطلقًا لَنُصِبَ.

نحن عرفنا الآن أن المفعول المطلق ينبغي أن يكون مصدرًا،
kader
kader

ذكر عدد الرسائل : 84
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 18/12/2008

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى